thumb

كيف تساعد الرقمنة في الشركات الصغيرة على تحسين إدارة العمليات؟

كيف تساعد الرقمنة في الشركات الصغيرة على تحسين إدارة العمليات؟

في عصر التكنولوجيا المتسارعة، أصبحت الرقمنة أو التحول الرقمي جزءًا لا يتجزأ من رحلة تطور الشركات، حتى الصغيرة منها. الرقمنة لا تعني فقط التخلي عن الأوراق، بل هي تحول شامل في الطريقة التي تُدار بها الأعمال، من العمليات اليومية إلى الاستراتيجية الكبرى للمؤسسة. من بين أبرز الآثار الإيجابية لهذا التحول، يأتي تقليل التكاليف التشغيلية، خاصة تلك المرتبطة بالإجراءات اليدوية مثل كشوف المرتبات والحسابات والفواتير. فعندما تتحول البيانات من شكلها الورقي إلى الرقمي، تصبح أسهل في المعالجة، وأسرع في النقل، وأكثر مرونة في الأتمتة والمشاركة.

لكن، رغم أن معظم الشركات تعي أهمية الرقمنة، بل وبدأ الكثير منها في تبنيها فعليًا، إلا أن الطريق ليس دائمًا بسيطًا أو خاليًا من التحديات. فالنسبة الأكبر من المؤسسات تواجه عقبات تقنية وتنظيمية تقف في وجه الانتقال السلس إلى عالم رقمي بالكامل. غالبًا ما يكون السبب في ذلك هو اعتماد الشركات على بنية تحتية تقنية قديمة، أو غياب التخطيط الدقيق الذي يراعي المتطلبات التقنية والمعرفية للعملية.

النقطة الجوهرية في نجاح الرقمنة تكمن في التخطيط. لا يكفي فقط تحديد الهدف من الرقمنة، بل من الضروري أيضًا مراجعة كل العمليات الداخلية الحالية: هل هي فعالة؟ هل يتم تنفيذها بشكل جيد؟ هل يمكن تحسينها؟ هذه الأسئلة تشكّل الأساس الذي يجب الانطلاق منه، لأن التحول الرقمي لا يعني ببساطة تحويل ما هو ورقي إلى رقمي، بل تحسين العملية نفسها قبل تحويلها. وكما أشار لويس آبرو، مدير العمليات في شركة Nmbrs، فإن أتمتة عملية سيئة تعني ببساطة تسريع الفشل. لذا، فبدلاً من تنفيذ رقمنه شاملة دفعة واحدة، قد يكون من الأفضل التحول التدريجي، مع تحسين بعض العمليات قبل رقمنتها وتأجيل البعض الآخر إلى مراحل لاحقة.

جزء أساسي من هذا التحول يتضمن اختيار البرامج المناسبة لإدارة المستندات الرقمية بجميع مراحلها، بدءًا من إنشائها وحتى توقيعها وتخزينها بأمان. هنا، يظهر سؤال مهم: هل ستعتمد على حل شامل من مزوّد واحد؟ أم ستُدمج بين عدة خدمات مختلفة؟ الإجابة تعتمد على مدى تعقيد أعمالك، وحجم فريق العمل، وميزانيتك التقنية.

من المهم أيضًا التفكير في المستخدم النهائي أثناء هذا التحول. فالرقمنة يجب أن تُسهّل على المستخدمين لا أن تخلق لهم عراقيل. وبالتالي، فإن تصميم بروتوكولات مرنة وسهلة الاستخدام يجب أن يكون أولوية، لضمان سلاسة التحول دون التأثير على تجربة المستخدم أو العملاء.

واحدة من أكثر الخطوات فعالية في مسار الرقمنة هي دمج خدمات الحوسبة السحابية (Cloud)، إذ توضح الدراسات أن أكثر من ٨٠٪ من حالات التحول الرقمي الناجحة تتضمن اعتمادًا على حلول سحابية. هذه الخدمات تجعل من الأسهل تنفيذ أدوات جديدة بسرعة وتوسيع نطاق استخدامها بأقل التكاليف، كما أنها تتيح متابعة وإدارة العمليات عن بُعد، وتوفر قدرًا كبيرًا من المرونة والاتصال بين أفراد الفريق، خاصة في بيئات العمل المختلطة أو عن بُعد.

ومع ذلك، لن تخلو أي عملية رقمنه من بعض المعوقات. من أشهر هذه التحديات أنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة، والبنية التحتية الضعيفة، أو نقص الميزانية. في بعض الحالات، تضطر الشركات إلى إيجاد حلول مؤقتة باستخدام تقنيات سحابية مدمجة مع أنظمتها الحالية، في حين تختار مؤسسات أخرى التحديث الشامل واستبدال الأنظمة القديمة بأخرى جديدة بالكامل. ويُعد ضعف الشبكات من أبرز العوائق التي تواجهها المؤسسات، لذا من المهم إجراء تحليل شامل لقدرات الشبكة الحالية، والعمل على تطويرها أو استبدالها إن لزم الأمر.

جانب آخر لا يقل أهمية هو العنصر البشري. الرقمنة لا تتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل بالأشخاص الذين يستخدمونها. فنجاح أي تحول رقمي يعتمد بدرجة كبيرة على مدى جاهزية فرق العمل وقدرتها على التكيف. وهذا يتطلب توفير تدريب مناسب للموظفين على استخدام الأدوات الجديدة وفهم العمليات الرقمية الجديدة. تدريب الفرق لا يضمن فقط تنفيذًا سلسًا، بل يساعد أيضًا على الحد من القلق والخوف من التغيير، ويعزز الثقة في بيئة العمل الجديدة. لن يتأقلم الجميع بنفس الوتيرة، لكن الأغلبية ستتكيف مع الدعم والتدريب المناسبين، وفي بعض الحالات قد يكون من الضروري توظيف أشخاص ذوي خبرة في البيئات الرقمية لتعزيز قدرات الفريق.

الرقمنة تُحدث فرقًا حقيقيًا. من تحسين سير العمل وتوفير الوقت، إلى تقليل التكاليف التشغيلية وتحسين الخدمة المقدمة للعملاء، الفوائد واضحة ومباشرة. لكنها تتطلب استعدادًا حقيقيًا، من حيث البنية التحتية، وتقييم العمليات، وتدريب الكوادر، وحتى إدارة التغيير. قد يكون من المفيد أيضًا الاستعانة بمزودي خدمات خارجيين ممن يقدمون حلولاً تقنية جاهزة وقابلة للتخصيص، مما يسرّع من عملية التحول ويوفّر الكثير من الوقت والموارد.

في نهاية المطاف، ليست كل شركة مستعدة اليوم للرقمنة الكاملة. لكن من خلال مراجعة العمليات وتحسينها، وتوفير التدريب، واتباع نهج تدريجي ومدروس، يمكن لأي شركة صغيرة أن تستفيد من الرقمنة، وتحولها إلى رافعة حقيقية للنمو والابتكار في سوق اليوم المتسارع.